وقال وهب بن منبه : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له أرميا حين ظهرت فيهم المعاصي : أن قم بين ظهراني قومك فأخبرهم أن لهم قلوباً ولا يفقهون ، وأعيناً ولا يبصرون ، وآذاناً ولا يسمعون ، وإني تذكرت صلاح آبائهم فعطفني ذلك على أبنائهم فسلهم كيف وجدوا غب طاعتي ، وهل سعد أحد ممن عصاني بمعصيتي ، وهل شقى أحد ممن أطاعني بطاعتي ؟ إن الدواب تذكر أوطانها فتنزع إليها وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمت عليه آباءهم والتمسوا الكرامة من غير وجهها ، أما أحبارهم فأنكروا حقي ، وأما قراؤهم فعبدوا غيري ، وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما علموا ، وأما ولاتهم فكذبوا علي وعلى رسلي ، خزنوا المكر في قلوبهم وعودوا الكذب ألسنتهم ، وإني أقسم بجلالي وعزتي لأهيجن عليهم جيوشاً لا يفقهون ألسنتهم ، ولا يعرفون وجوههم ولا يرجمون بكاءهم ، ولأبعثن فيهم ملكاً جباراً قاسياً له عساكر كقطع السحاب ، ومواكب كأمثال الفجاج ، كأن خفقان راياته طيران النسور ، وكأن حمل فرسانه كر العقبان ، يعيدون العمران خراباً ويتركون القرى وحشة ، فياويل إليا وسكانها كيف أذللهم للقتل ، وأسلط عليهم السبا ، وأعيد بعد لجب الأعراس صراخاً ، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ، وبعد شرفات القصور مساكن السباع ، وبعد ضوء السرج وهج العجاج ، وبالعز الذب وبالنعمة العبودية وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب ، وبالمشي على الزرابي الخبب ، ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض ، وعظامهم ضاحية للشمس ، ولأدوسنهم بألوان العذاب ، ثم لآمرن السماء فتكون طبقاً من حديد ، والأرض سبيكة من نحاس ، فإن أمطرت لم تنبت الأرض ، وإن أنبتت شيئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم ، ثم أحبسه في زمان الزرع وأرسله في زمان الحصاد ، فإن زرعوا في خلال ذلك شيئاً سلطت عليه الآفة ، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة ، فإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوا لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم رواه ابن عساكر بهذا اللفظ
وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا إدريس ، عن وهب بن منبه ، قال : إن الله تعالى لما بعث أرمياً إلى بني إسرائيل ، وذلك حين عظمت الأحداث فيهم فعملوا بالمعاصي ، وقتلوا الأنبياء ، طمع بختنصر فيهم وقذف الله في قلبه وحدث نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم ، فأوحى الله إلى أرميا : إني مهلك بني غسرائيل ومنتقم منهم ، فقم على صخرة بيت المقدس ياتيك أمري ووحيي فقام أرميا فشق ثيابه وجعل الرماد على رأسه وخر ساجداً وقال يا رب وددت لو أن أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي ، فقال له : ارفع رأسك فرفع رأسه فبكى ثم قال : يا رب من تسلط عليهم ؟ فقال : عبدة النيران لا يخافون عقابي ، ولا يرجون ثوابي ، قم يا أرميا فاستمع وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل : من قبل أن أخلفك اخترتك ، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك ، ومن قبل أن تبلغ نبأتك ، ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك ولأمر عظيم اجتنبتك ، فقم من الملك تسدده وترشده
فكان مع الملك يسدده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث ، ونسوا ما نجاهم الله به من عدوهم سنحاريب وجنوده ، فأوحى الله إلى أرميا : قم فاقصص عليهم ما آمرك به ، وذكرهم نعمتي عليهم ، وعرفهم أحداثهم فقال أرميا ك يا رب إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تبلغني ، مخطئ إن لم تسددني ، مخذول إن لم تنصرني ، ذليل إن لم تعزني ، فقال الله تعالى : أولم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي ، وأن الخلق والأمر كله لي ، وأن القلوب والألسنة كلها بيدي فأقلبها كيف شئت فتطيعني ، فأنا الله الذي ليس شيء مثلي ، قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ، وأنه لا يخلص التوحيد ، ولم تتم القدرة إلا لي ، ولا يعلم ما عندي غيري ، وأنا الذي كلمت البحار ففهمت قولي ، وأمرتها ففعلت أمري ، وحددت عليها حدوداً فلا تعدو فلا تعدو حدي ، وتأتي بأموال كالجبال فإذا بلغت حدي ألبستها مذلة لطاعتي وخوفاً واعترافاً لأمري ، وإني معك ولن يصل إليك شيء معي ، وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي فتستوجب بذلك أجر من اتبعك ، ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً
انطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم : إن الله قد ذكركم بصلاح آبائكم فلذلك استبقاكم ، يا معشر أبناء الأنبياء ، وكيف وجد آباؤكم مغبة طاعتي وكيف وجدتم مغبة معصيتي ، وهل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصيتي وهل عملوا أحداً أطاعني فشقي بطاعتي ؟ إن الدواب إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها ، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة وتركوا الأمر الذي أكرمت به آباءهم ، وابتغوا الكرامة من غير وجهها فأما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خولاً يتعبدونهم ، ويعملون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري وأنسوهم ذكري وسنتي وغروهم عني ، فدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلى لي ، فهم يطيعونهم في معصيتي
وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي ، وأمنوا مكري ، وغرتهم الدنيا حتى نبذوا كتابي ونسوا عهدي ، فهم يحفون كتابي ، ويفترون على رسلي جرأة منهم علي وغرة بي ، فسبحان جلالي وعلو مكاني وعظمة شأني ، هل ينبغي أن يكون لي شريك في ملكي ؟ وهل ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي ؟ وهل ينبغي لي أن أخلق عباداً أجعلهم أرباباً من دوني ، أو آذن لأحد بالطاعة لأحد وهي لا تنبغي إلا لي ؟ !
وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون ، فينقادون للملوك فيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني ، ويطيعونهم في معصيتي ، ويوفون لهم بالعود الناقضة لعهدي ، فهم جهلة بما يعلمون لا ينتفعون بشيء مما علموا من كتابي
وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون ، يخوضون مع الخائضين يتمنون مثل نصري آباءهم والكرامة التي أكرمتهم بها ، ويزعمون أنه لا أحد أولى بذلك منهم بغير صدق منهم ولا تفكر ، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم وكيف كان جهدهم في أمري حين اغتر المغترون ، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا وصدقوا حتى عز أمري وظهر ديني فتأنيت هؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني ويرجعون ، فتطولت عليهم وصفحت عنهم فأكثرت ومددت لهم في العمر وأعذرت لهم لعلهم يتذكرون وكل ذلك أمطر عليهم السماء وأنبت لهم الأرض وألبسهم العافية وأظهرهم على العدو ولا يزدادون إلا طغياناً وبعداً مني فحتى متى هذا ؟ أبي يسخرون أم بي يتحرشون أم إياي يخادعون أم علي يجترئون
فإني أقسم بعزتي لأتيحن عليهم فتنة يتحير فيها الحليم ويضل فيها رأي ذوي الرأي وحكمة الحكيم ، ثم لأسلطن عليهم جباراً قاسياً عاتياً ألبسه الهيبة وأنزع من قلبه الرأفة والرحمة وآليت أن يتبعه عدد وسواد مثل الليل المظلم ، له فيه عساكر مثل قطع السحاب ومواكب مثل العجاج ، وكأن خفيق راياته طيران النسور وحمل فرسانه كريد العقبان ، يعيدون العمران خراباً والقرى وحشاً ويعيشون في الأرض فساداً ويتبرون ما علو تتبيراً ، قاسية قلوبهم لا يكترثون ولا يرقبون ، ولا يرحمون ولا يبصرون ، ولا يسمعون ، يجولون في الأسواق باصوات مرتفعة مثل زئير الأسد تقشعر من هيبتها الجلود ، وتطيش من سمعها الأحلال بألسنة لا يفقهونها ، ووجوه ظاهر عليها المنكر لا يعرفونها فوعزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ، ولأخلين مجالسهم من حديثها ودروسها ، ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كانوا يتزينون بعمارتها لغيري ، ويتهجدون فيها ويتعبدون لكسب الدنيا بالدين ، ويتفقهون فيها لغير الدين ، ويتعلمون فيها لغير العمل ، لأبدلن ملوكها بالعز الذل ، وبالأمن الخوف ، وبالغنى الفقر ، وبالنعمة الجوع ، وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء ، وبلباس الديباج والحرير مدارع الوبر والعباء ، وبالأرواح الطيبة والأذهان جيف القتلى ، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأعلال ، ثم لأعيدن فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب ، وبعد البروج المشيدة مساكن السباع وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب ، وبعد ضوء السراج دخان الحريق ، وبعد الأنس الوحشة والقفار
ثم لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال ، وبقلائد الدر والياقوت سلاسل الحديد ، وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار ، وبالمشي على الزرابي عبور الأسواق والأنهار ، والخبب إلى الليل في بطون الأسواق ، والخدور والستور الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار والأرواح السموم ثم لأدوسنهم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه ، إني إنما أكرم من أكرمني ، وإنما أهين من هان عليه أمري ثم لآمرن السماء خلال ذلك فلتكونن عليهم طبقاً من حديد ، ولآمرن الأرض فلتكون سبيكة من نحاس ، فلا سماء تمطر ، ولا أرض تنبت ، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلطت عليهم الآفة ، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة ، وإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوني لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرعوا إلي صرفت وجهي عنهم ، وإن قالوا : اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك ، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك وجعلت فينا نبوتك وكتابك ومساجدك ، ثم مكنت لنا في البلاد واستخلفتنا فيها وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغراً ، وحفظتنا وإياهم برحمتك كباراً فأنت أوفى المنعمين وإن غيرنا ، ولا تبدل وإن بدلنا وأن تتم فضلك ومنك وطولك وإحسانك فإن قالوا ذلك قلت لهم : إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي ، فإن قبلوا أتممت ، وإن استزادوا زدت ، وإن شكروا ضاعفت ، وإن غيروا غيرت ، وإذا غيروا غضبت ، وإذا غضبت عذبت وليس يقوم شيء بغضبي
قال كعب : فقال أرميا : بوجهك أصبحت أتعلم بين يديك ، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذل وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلم بين يديك ، ولكن برحمتك أبغيتني لهذا اليوم ، وليس أحد أحق أن يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد مني بما رضيت به مني طولاً ، والإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير نكر ولا تغيير مني ، فإن تعذبني فبذنبي ، وإن ترحمني فذلك ظني بك
ثم قال : يا رب سبحانك وبحمدك ، وتباركت ربنا وتعاليت ، أتهلك هذه القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك ، يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعاليت لمخرب هذا المسجد ، وما حوله من المساجد ، ومن البيوت التي رفعت لذكرك يا رب سبحانك وبحمدك ، وتباركت وتعاليت لمقتل هذه الأمة ، وعذابك إياهم وهم من ولد إبراهيم خليلك ، وأمة موسى نجيك وقوم داود صفيك ، يا رب أي القرى تأمن عقوبتك بعد وأي العباد يأمنون سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم ، وأمة نجيك موسى ، وقوم خليفتك داود ، تسلط عليهم عبدة النيران ؟ قال الله تعالى : يا اأرميا من عصاني فلا يستنكر نقمتي ، فإني إنما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي ، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم دار العاصين ، إلا أن أتداركهم برحمتي
قال أرميا : يا رب اتخذت إبراهيم خليلاً وحفظتنا به ، موسى قربته نجياً فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطفنا ولا تسلط علينا عدونا فأوحى الله إليه : يا أرميا إني قدستك في بطن أمك ، وأخرتك إلى هذا اليوم ، فلو أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل ، لكنت الداعم لهم ، وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها ، طاهر ماؤها ، ولا يغور ماؤها ولا تبور ثمارها ولا تنقطع ، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل : إني كنت لهم بمنزلة الراعي الشفيق ، أجنبهم كل قحط وكل عسرة ، وأتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشاً ينطح بعضها بعضاً ، فياويلهم ثم يا ويلهم ، إنما أكرم من أكرمني ، وأهين من هن عليه أمري ، إن من كان قبل هؤلاء من القرون يستخفون بمعصيتي ، وإن هؤلاء القوم يتبرعون بمعصيتي تبرعاً فيظهرونها في المساجد والأسواق ، وعلى رءوس الجبال وظلال الأشجار ، حتى عجت السماء إلي منهم ، وعجت الأرض والجبال نفرت منها الوجوش بأطراف الأرض وأقاصيها ، وفي كل ذلك لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب
قال : فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه وكذبوه واتهموه وقالوا : كذبت وأعظمت على الله الفرية فتنزعم أن الله معطل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده ؟ فمن يعبده حين لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب ؟ ! لقد أعظمت الفرية على الله واعتراك الجنون فأخذوه وقيدوه وسجنوه ، فعند ذلك بعث الله عليهم بختنصر فأقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم ثم حاصرهم فكان كما قال تعالى :" فجاسوا خلال الديار " قال : فلما طال بهم الحصر نزلوا على حكمه ، ففتحوا الأبواب وتخللوا الأزفة وذلك قوله :" فجاسوا خلال الديار " وحكم فيهم حكم الجاهلية وبطش الجبارين ، فقتل منهم الثلث وسبي الثلث ، وترك الزمني والشيوخ والعجائز ، ثم وطئهم بالخيل وهدم بيت المقدس ، وساق الصبيان وأوقف النساء في الأسواق حاسرات ، وقتل المقاتلة وخرب الحصون وهدم المساجد وحرق التوراة ، وسأل عن دانيال الذي كان قد كتب له الكتاب فوجدوه قد مات ، وأخرج أهل بيته الكتاب إليه ، وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر ، وميشائيل وعزرائيل وميخائيل ، فأمضى لهم ذلك الكتاب
وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر ، ودخل بختنصر بجنوده بيت المقدس ووطئ الشام كلها وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ، فلما فرغ منها انصرف راجعاً وحمل الأموال التي كانت بها ، وساق السبايا فبلغ معه عدة صبيانهم من أبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام ، وقذف الكناسات في بيت المقدس وذبح فيه الخنازير ، وكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود ، وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين ، وثمانية آلاف من سبط ايشي بن يعقوب ، وأربعة عشر ألفاً من سبط زبالون ونفتالي ابني يعقوب ، وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب ، وثمانية آلاف من سبط روبيل ولاوي ، واثني عشر ألفاً من سائر بني إسرائيل وانطلق حتى قدم أرض بابل
قال إسحاق بن بشر : قال وهب بن منبه : فلما فعل ما فعل قيل له : كان لهم صاحب يحذرهم ما أصابهم ويصفك وخبرك لهم ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتهدم مساجدهم وتحرق كنائسهم ، فكذبوه واتهموه وضربوه وقيدوه وحبسوه فأمر بختنصر فأخرج أرميا من السجن فقال له : أكنت تحذر هؤلاء القوم ما أصابهم ؟ قال : نعم قال : فإني علمت ذلك ، قال : أرسلني الله إليهم فكذبوني قال : كذبوك وضربوك وسجنوك ؟ قال : نعم قال : بئس القوم قوم كذبوا نبيهم وكذبوا رسالة ربهم ، فهل لك أن تحلق بي فأكرمك وأواسيك ، وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك قال له أرميا : إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك ولم يكن لك عليهم سلطان فلما سمع بختنصر هذا القول منه تركه فأقام أرميا مكانه بأرض إيليا
وهذا سياق غريب ، وفيه حكم ومواعظ وأشياء مليحة ، وفيه من جهة التعريف غرابة
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي : كان بختنصر أصفهبذا لما بين الأهواز إلى الروم للملك على الفرس وهو لهراسب ، وكان قد بني مدينة بلخ التي تلقب بالخنساء ، وقاتل الترك وألجأهم إلى أضيق الأماكن وبعث بختنصر لقتال بني إسرائيل بالشام فلما قدم الشام صالحه أهل دمشق ، وقد قيل إن الذي بعث بختنصر إنما هو بهمن ملك الفرس بعد بشتاسب بن لهراسب ، وذلك لتعدي بني إسرائيل على رسله إليهم
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب ، أن بختنصر لما قدم دمشق وجد بها دماً يغلي على كبا - يعني القمامة - فسألهم : ما هذا الدم ؟ فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال : فقتل على ذلك سبعين الفاً من المسلمين وغيرهم فسكن
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب ، وقد تقدم من كلام الحافظ ابن عساكر ما يدل على أن هذا دم يحيى بن زكريا ، وهذا لا يصح لأن يحيى بن زكريا بعد بختنصر بمدة ، والظاهر أن هذا دم نبي متقدم أو دم لبعض الصالحين أو لمن شاء الله ممن الله أعلم به
قال هشام بن الكلبي : قدم بختنصر بيت المقدس فصالحه ملكها وكان من آل داود وصانعه عن بني إسرائيل وأخذ منه بختنصر رهائن ورجع ، فلما بلغ طبرية بلغه أن بين إسرائيل ثاروا على ملكهم فقتلوه لأجل أنه صالحهه ، فضرب رقاب من معه من الرهائن ورجع إليهم فأخذ المدينة عنوة ، وقتل المقاتلة وسبي الذرية
قال : وبلغنا أنه وجد في السجن أرميا النبي فأخرجه وقص عليه ما كان من أمره إياهم وتحذيره لهم عن ذلك فكذبوه وسجنوه فقال بختنصر : بئس القوم قوم عصوا رسول الله وخلى سبيله وأحسن إليه وأجمع إليه من بقي من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا : إنا قد أسأنا وظلمنا ونحن نتوب إلى الله عز وجل مما صنعنا ، فادع الله أن يقبل توبتنا ، فدعا ربه فأوحى الله إليه أنه غير فاعل ، فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة فأخبرهم ما أمره الله تعالى به فقالوا : كيف نقيم بهذه البلدة وقد خربت وقد غضب الله على أهلها ؟ فأبوا أن يقيموا
قال ابن الكلبي : ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في البلاد فنزلت طائفة منهم الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادي القرى ، وذهبت شرذمة منهم إلى مصر ، فتب بختنصر إلى ملكها يطلب منه من شرد منهم إليه فأبى عليه ، فركب في جيشه فقاتله وقهره وغلبه وسبى ذراريهم ثم ركب إلى بلاد المغرب حتى بلغ أقصى تلك الناحية قال : ثم انصرف بسبي كثير من أرض المغرب ومصر وأهل بيت المقدس وأرض فلسطين والأردن وفي السبي دانيال
قلت : والظاهر أنه دانيال بن حزقيل الأصغر لا الأكبر على ما ذكره وهب بن منبه والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق