الأربعاء، 20 أبريل 2011

الغفلة

اعلم يا أخي الحبيب ،، أن الله سبحانه وتعالى

لم يخلقك عبث في هذه الأرض،، ولا لكي تلعب وتلهوا فقط ،، ولم يخلق لك السمع ، والبصر والفؤاد لكي تصخرهم فيما لم يخلقوا له ، فإذا استخدمتهم استخدام خاطئ ، فستغفر الله وتوب إليه ، واعد استخدامهم لما خلقوا له ، إن الله سبحانه وتعالى خلقك في هذا الأرض الفانية لعبادته وحده ولا تشرك به شيئا ، وخلق لك نعم حسية ، حواس ، أنت تشعر بها ،، لماذا ؟ لكي تعلم انه هو الذي أوجدك من العدم ، السمع : لكي تسمع كلامه وتطيعه ، والبصر: لكي ترى آياته وتذكره ، والفؤاد لكي تؤمن وتوقن انه موجود في كل الوجود ، فحمد الله على ما آتاك من النعم ، وتفكر في آياته

واذكره كثيرا ولا تغفل عن ذكره ، فلا تغرنك الحياة الدنيا ولايغرنك بالله الغرور ،، فأنت عما قريب مفارقك الأهل والأصحاب والخلان،، فأنس بذكر الحبيب في دنياك تأنس بجواره حين تلقاه .

يقول تعالى (-إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ )

ويقول تعالى( أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )

ويقول تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )

ويقول تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )

ويقول تعالى (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ )

ويقول تعالى ( وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) فلا تقراهذه الآيات مجرد قرأه عابرة ،، بل تدبر وتفكر

فلديك سمع وبصر وفؤاد ، مؤهلات لكي تميز الحق من الباطل .

الأحد، 17 أبريل 2011

نبذه عن مؤلف قصص الانبياء المدونة في هذا الموقع

اسم المؤلف :الإمام إسماعيل بن عمر بن كثير

السيرة الذاتية كاملة

هو الامام الحافظ الحجة المؤرخ ذو الفضائل عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير ، القرشي الدمشقي الشافعي.

بداية حياته :-

ولد سنة 700 هجرية كما ذكر أكثر من مترجم له أو بعدها بقليل كما قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة.

وكان مولده بقرية "مجدل" من أعمال بصرى من اعمال دمشق, و كان أبوه من أهل بصرى و أمه من قرية مجدل.

قال رضي الله عنه عن نفسه في البداية و النهاية : " كان قومي ينتسبون إلى الشرف و بأيديهم نسب ، وقف على بعضها شيخنا المزي - يقصد الامام الحافظ شيخ الاسلام المزي رضي الله عنه - فأعجبه ذلك و ابتهج به ، فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك :القرشي " - بتصرف قليل .

طلبه للعلم :-

بدأ ابن كثير بالاشتغال بالعلم على يد أخيه عبد الوهاب, ثم اجتهد في تحصيل العلوم على العلماء الكبار في عصره, و ختم القرآن الكريم سنة 711 كما صرح بذلك في البداية و النهاية, و قرأ بالقراءات حتى عده الداودي و ترجم له في طبقاتهم التي ألفها.

مشائخه :-

شيخه في القرآن ابن غيلان البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 730هـ. شيخه في القراءات محمد بن جعفر اللباد المتوفى سنة 724هـ. شيخه في النحو ضياء الدين الزربندي المتوفى سنة 723هـ. الحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 723هـ. المؤرخ البرزالي المتوفى سنة 739هـ. ابن الزملكاني المتوفى سنة 727هـ. ابن قاضي شهبة المتوفى سنة 726هـ. شيخ الاسلام ابن تيمية المتوفى سنة 727هـ. حافظ ذلك الزمان الحافظ المزي المتوفى سنة 742هـ. و الحافظين الجليلين : شيخ الإسلام ابن تيمية و المزي ، هما من أكثر من تأثر بهما من شيوخه, فلذلك ولع بمحبة اهل الحديث و الأثر ، و اعتقاد عقيدتهم و مجانبة العقائد الزائغة .

أهم مصنفاته :-

تفسير القرآن العظيم، و هو أجل مؤلفاته فقد تلقته الأمة بالقبول و يعتبر أصح تفسير للقرآن. البداية و النهاية، وهي موسوعة ضخمة تضم التاريخ منذ بدأ الخلق إلى القرن الثامن الهجري حيث جزء النهاية مفقود. التكميل في الجرح و التعديل و معرفة الثقاة و الضعفاء و المجاهيل. الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث. شرحه للبخاري ، وهو مفقود.

فصل اختلف أصحاب المسيح عليه السلام بعد رفعه إلى السماء

اختلف أصحاب المسيح عليه السلام بعد رفعه إلى السماء فيه على أقوال ، كما قاله ابن عباس وغيره من أئمة السلف كما أوردناه عند قوله :" فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين "

قال ابن عباس وغيره : قال قائلون منهم : كان فينا عبد الله ورسوله فرفع إلى السماء وقال آخرون : هو الله وقال آخرون هو ابن الله

فالأول هو الحق والقولان الآخران كفر عظيم ، كما قال :" فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم "

وقد اختلفوا في نقل الأناجيل على أربعة أقاويل ما بين زيادة ونقصان وتحريف وتبديل

ثم بعد المسيح بثلاثمائة سنة حدثت فيه الطامة العظمى والبلية الكبرى اختلف البتاركة الأربعة وجميع الأساقفة والقساوسة والشمامسة والرهابين في المسيح على أقوال متعددة لا تنحصر ولا تنضبط ، واجتمعوا وتحاكموا إلى الملك قسطنطين باني القسطنطينية وهم الجمع الأول ، فصار الملك إلى قول أكثر فرقة اتفقت على قول من تلك المقالات ، فسموا الملكية ودحض من عداهم وأبعدهم ، وتفردت الفرقة التابعة لعبد الله بن أريوس الذي ثبت على أن عيسى عبد من عباد الله ورسول من رسله فسكنوا البراري والبوادي وبنوا الصوامع والديارات والقلايات ، وقنعوا بالعيش الزهيد ولم يخالطوا أولئك الملل والنحل وبنت الملكية الكنائس الهائلة ، عمدوا إلى ما كان من بناء اليونان فحولوا محاريبها إلى الشرق وقد كانت إلى الشمال إلى الجدي

ذكر صفة عيسى عليه السلام وشمائله وفضائله

قال الله تعالى :" ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة

قيل سمي المسيح لمسحه الأرض وهو سياحته فيها وفراره بدينه من الفتن في ذلك الزمان ، لشدة تكذيب اليهود له وافترائهم عليه وعلى أمه عليهما السلام وقيل لأنه كان ممسوح القدمين

وقال تعالى :" ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل " وقال تعالى :" وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " والآيات في ذلك كثيرة جداً

وقد تقدم ما ثبت في الصحيحين :" ما من مولود إلا والشيطان يطعن في خاصرته حين يولد فيستهل صارخاً إلا مريم وابنها ، ذهب بطعن فطعن في الحجاب "، وتقدم حديث عمير ابن هانئ عن جنادة ، عن عبادة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال :" من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبد الله ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته التي أقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق والنار حق أخله الله الجنة على ما كان من العمل " رواه البخاري وهذا لفظه ، و مسلم

وروى البخاري و مسلم من حديث الشعبي ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها كان له أجران ، وإذا آمن بعيسى ابن مريم ثم آمن بي فله أجران ، والعبد إذا اتقى ربه وأطاع مواليه فله أجران " هذا لفظ البخاري

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا هشام ، عن معمر ، وحدثني محمود : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال النبي (صلى الله عليه وسلم) :" ليلة أسري بي ولقيت موسى - قال : فنعته - فإذا رجل حسبته قال : مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال : ولقيت عيسى فنعته النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس - يعني الحمام - ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به " الحديث

وقد تقدم في قصتي إبراهيم وموسى

ثم قال : حدثنا محمد بن كثير ، أنبأنا إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال النبي (صلى الله عليه وسلم) :" رأيت عيسى وموسى وإبراهيم ، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال الزط " تفرد به البخاري

وحدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا أبو ضمرة : حدثنا موسى بن عقبة ، عن نافع ، قال : قال عبد الله بن عمر : ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال :" إن الله ليس بأعور إلا أن المسيح الدجال أعور اليعن اليمنى كأن عينه عنبة طافية ، وأراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا رجل آدم كأحسن ما يرى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه فقلت من هذا ؟ فقالوا : المسيح ابن مريم ثم رأيت رجلاً وراءه جعداً قططاً أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعاً يده على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هذا ؟ فقالوا : المسيح الدجال "

ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة ثم قال البخاري : تابعه عبد الله بن نافع ثم ساقه من طريق الزهري عن سالم بن عمر قال الزهري : وابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية

فبين صلوات الله وسلامه عليه صفة المسيحيين : ميسح الهدى ومسيح الضلالة ، ليعرف هذا إذا نزل فيؤمن به المؤمنون ويعرف الآخر فيحذره الموحدون

وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق فقال له : أسرقت ؟ قال : كلا والذي لا إليه إلا هو فقال عيسى : آمنت بالله وكذبت عيني " وكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق

وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن الحسن وغيره ، عن أبي هريرة قال : ولا أعلمه إلا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : " رأى عيسى رجلاً يسرق فقال : يا فلان أسرقت ؟ فقال : لا والله ما سرقت فقال : آمنت بالله وكذبت بصري "

وهذا يدل على سجية طاهرة ، حيث قدم حلف الله الرجل فظن أن أحداً لا يحلف بعظمة الله كاذباً على ما شاهده منه عياناً ، فقبل عذره ورجع على نفسه فقال : آمنت بالله أي صدقتك وكذبت بصري لأجل حلفك

وقال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ :" كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " فأول الخلق يكسى إبراهيم ، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي فيقال : إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم :" وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " " تفرد به دون مسلم من هذا الوجه

وقال أيضاً : حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي : حدثنا سفيان ، سمعت الزهري يقول : أخبرني عبد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس سمع عمر يقول على المنبر : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول :" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله "

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم ، حدثنا جرير بن حازم ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريح يصلي إذ جاءته أمه فدعته فقال :أجيبها أو أصلي ؟ فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريح في صومعة فعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعياً فأمكنته من نفسها فولدت غلاماً فقيل لها : ممن ؟ قالت : من جريج فأتوه وكسروا صومعته فأنزلوه وسبه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال : من أبوك يا غلام ؟ قال : فلان الراعي فقالوا : أنبني صومعتك من ذهب ؟ قال : لا ، إلا من طين وكانت امرأة ترضع ابناً لها في بني إسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت : اللهم اجعل ابني مثله ، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال : اللهم لا تجعلني مثله ، ثم أقبل على ثديها يمصه قال أبو هريرة : كأني أنظر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يمص إصبعه ثم مر بأمة فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال : اللهم اجعلني مثلها فقالت : لم ذلك فقال : الراكب جبار من الجبابرة ، وهذا الأمة يقولون سرقت وزنت ، ولم تفعل "

وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان : حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول :" أنا أولى الناس بابن مريم ، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي "

تفرد به البخاري من هذا الوجه

ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي داود الحفري ، عن الثوري عن أبي الزناد ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة

وقال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان - وهو الثوري - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " أنا أولى الناس بعيسى عليه السلام والأنبياء إخوة أولاد علات ، وليس بيني وبين عيسى نبي "

وهذا إسناد صحيح على شرطهما ولم يخرجوه من هذا الوجه وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بنحوه ، وأخرجه ابن حبان من حديث عبد الرزاق نحوه

قال أحمد : حدثنا يحيى ، عن أبي عروبة ، حدثنا قتادة ، عن عبد الرحمن بن آدم ، عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" الأنبياء إخوة لعلات ، ودينهم واحد وأمهاتهم شتى ، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين مخصرتين فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل حتى تهلك في زمانه كلها غير الإسلام ، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب ، وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان والغلمان بالحيات لا يضر بعضهم بعضاً فيمكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه "

ثم رواه أحمد عن عفان ، عن همام ، عن قتادة ، عن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة فذكر نحوه وقال : فيمكث أربعين سنة ، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ، ورواه أبو داود عن هدبة ابن خالد ، عن هشام بن يحيى به نحوه

وروى هشام بن عروة ، عن صالح مولى أبي هريرة عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :" فيمكث في الأرض أربعين سنة " وقد بينا نزوله عليه السلام في آخر الزمان في كتاب الملاحم كما بسطنا ذلك أيضاً في التفسير عند قوله تعالى في سورة النساء :" وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " وقوله :" وإنه لعلم للساعة " الآية وأنه ينزل على المنارة البيضاء بدمشق وقد أقيمت صلاة الصبح فيقول له إمام المسلمين : تقدم يا روح الله فصل فيقول : لا ، بعضكم على بعض أمراء مكرمة الله هذه الأمة ، وفي رواية فيقول له عيسى : إنما أقيمت الصلاة لك ، فيصلي خلفه ، ثم يركب ومعه المسلمون في طلب المسيح الدجال فيلحقه عند باب لد فيقتله بيده الكريمة

وذكرنا أنه قوي الرجاء حتى بنيت هذه المنارة الشرقية بدمشق التي هي من حجارة بيض ، وقد بنيت أيضاً من أموال النصارى حين حرقوا التي هدمت وما حولها ، فينزل عليها عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ولا يقبل من أحد إلا الإسلام ، وأنه يخرج من فج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو لثنتيهما ، ويقيم أربعين سنة ، ثم يموت فيدفن فيما قيل في الحجرة النبوية عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصاحبيه

وقد ورد ذلك حديث ذكره ابن عساكر في آخر ترجمة المسيح عليه السلام في كتابه عن عائشة مرفوعاً ، أنه يدفن مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبي بكر وعمر في الحجرة النبوية ، ولكن لا يصح إسناده

وقال أبوعيسى الترمذي : حدثنا زيد بن أخزم الطائي ، حدثنا أبو قتيبة مسلم بن قتيبة ، حدثني أبو مودود المدني ، حدثنا عثمان بن الضحاك ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله ابن سلام ، عن أبيه ، عن جده قال : مكتوب في التوراة : صفة محمد وعيسى ابن مريم عليهما السلام يدفن معه قال أبو مودود ، وقد بقي من البيت موضع قبر

ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن كذا قال : والصواب الضحاك بن عثمان المدني

وقال البخاري هذا الحديث لا يصح عندي ولا يتابع عليه

وروى البخاري عن يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان قال : الفترة ما بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه وسلم) ستمائة سنة ، وعن قتادة : خمسمائة وستون سنة وقيل خمسمائة وأربعون سنة وعن الضحاك أربعمائة وبعض وثلاثون سنة والمشهور ستمائة سنة ، ومنهم من يقول ستمائة وعشرون سنة بالقمرية ، ليكون ستمائة الشمسية والله أعلم

وقال ابن حبان في صحيحه : ذكر المدة التي بقيت فيها أمة عيسى على هديه : حدثنا أبو يعلى ، حدثنا أبو همام ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الهيثم بن حميد ، عن الوضين بن عطاء ، عن نصر بن علقمة ، عن جبير بن نفير ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لقد قبض الله داود من بين أصحابه فما فتنوا ولا بدلوا ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مائتي سنة "

وهذا حديث غريب جداً ، وإن صححه ابن حبان

وذكر ابن جرير عن محمد بن إسحاق ، أن عيسى عليه السلام قبل أن يرفع وصى الحواريين بأن يدعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له وعين كل واحد منهم إلى طائفة من الناس في إقليم من الأقاليم من الشام وبلاد المغرب ، فذكروا أنه أصبح كل إنسان منهم يتكلم بلغة الذين أرسله المسيح إليهم

وذكر غير واحد أن الإنجيل نقله عنه أربعة : لوقا ومتى ومرقس ويوحنا ، وبين هذه الأناجيل الأربعة تفاوت كثير بالنسبة إلى كل نسخة ونسخة ، وزيادات كثيرة ونقص بالنسبة إلى أخرى ، وهؤلاء الأربعة منهم اثنان ممن أدرك المسيح وراءه وهما متي ويوحنا ، ومنهم اثنان من أصحابه وهما مرقس ولوقا

وكان ممن آمن بالمسيح وصدقه من أهل دمشق رجل يقال له ضينا ، وكان مختفيا في مغارة داخل الباب الشرقي قريباً من الكنيسة المصلبة خوفاً من بولس اليهودي ، وكان ظالماً غاشماً مبغضا للمسيح ولما جاء به ، وكان قد حلق رأس ابن أخيه حين آمن بالمسيح وطاف به في البلد ثم رجمه حتى مات رحمه الله

ولما سمع بولص أن المسيح عليه السلام قد توجه نحو دمشق جهز بغالة وخرج ليقتله ، فتلقاه عند كوكبا ، فلما واجه أصحاب المسيح جاء إليه ملك فضرب وجهه بطرف جناحه فأعماه ، فلما رأى ذلك وقع في نفسه تصديق المسيح فجاء إليه واعتذر مما صنع ، وآمن به فقبل منه وسأله أن يمسح عينيه ليرد الله عليه بصره ، فقال اذهب إلى ضينا عندك بدمشق في طرف السوق المستطيل من المشرق فهو يدعو لك فجاء إليه فدعا فرد عليه بصره وحسن إيمان بولص بالمسيح عليه السلام أنه عبد الله ورسوله وبنيت له كنيسته باسمه فهي كنيسة بولص المشهورة بدمشق من زمن فتحها الصحابة رضي الله عنهم حتى خرجت

ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء في حفظ الرب ، وبيان كذب اليهود والنصارى في دعوى الصلب

قال الله تعالى :" ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين * إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون "

وقال تعالى :" فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما * وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما * وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا "

فأخبره تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على الصحيح المقطوع به ، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان

قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق : كان اسمه داود بن نورا فأمر بقتله وصلبه ، فحصروه في دار ببيت المقدس ، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت ، فلما حان وقت دخولهم ألفى شبهه على بعض أصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة من ذلك البيت إلى السماء ، وأهل البيت ينظرون ، ودخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب الذي ألقى عليه شبهة فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا الشوك على رأسه إهانة له ، وسلم لليهود عامة النصاري الذي لم يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب وضلوا بسبب ذلك ضلالاً مبيناً كثيراً فاحشاً بعيداً

وأخبر تعالى بقوله :" وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة ، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام ، كما بينا ذلك بما ورد فيه من الأحاديث عند تفسير هذه الآية الكريمة من سورة النساء ، كما أوردنا ذلك مستقصى في كتاب الفتن والملاحم عند أخبار المسيح الدجال ، فذكرنا ما ورد في نزول المسيح المهدي عليه السلام من ذي الجلال لقتل المسيح الدجال الكذاب الداعي إلى الضلال

وهذا ذكر ما ورد في الآثار في صفة رفعه إلى السماء :

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلاً منهم من الحواريين ، يعني فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال : إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال : أيكم يلقى علي شبهي فيقتل مكاني فيكون معي في درجتي ؟ فقال شاب من أحدثهم سناً فقال له : اجلس ، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال : أنا فقال : أنت هو ذاك فألقى عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء

قال : وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشر مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق ، فقالت طائفة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية وقالت فرقة : كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة : كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمداً (صلى الله عليه وسلم)

قال ابن عباس : وذلك قوله تعالى :" فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس على شرط مسلم ورواه النسائي عن أبي كريب ، عن أبي معاوية به نحوه ورواه ابن جرير عن مسلم بن جنادة عن أبي معاوية

وهذكا ذكر غير واحد من السلف ، وممن ذكر ذلك مطولاً محمد بن إسحاق بن يسار

قال : وجعل عيسى عليه السلام يدعو الله عز وجل أن يؤخر أجله ، يعني ليبلغ الرساله ويكمل الدعوة ويكثر الناس الدخول في دين الله قيل : وكان عنده من الحواريين اثنا عشر رجلاً : بطرس ويعقوب ابن زبدا ويحنس أخو يعقوب ، وأندراوس ، وفليبس ، وأبرثلما ، ومتى ، وتوماس ، ويعقوب بن حلقيا ، وتداوس ، وفتياتيا ، ويودس كريايوطا ، وهذا هو الذي دل اليهود على عيسى

قال ابن إسحاق : وكان فيهم رجل آخر اسمه سرجس كتمته النصارى وهو الذي ألقي شبه المسيح عليه فصلب عنه قال : وبعض النصارى يزعم أن الذي صلب عن المسيح وألقي عليه شبهه هو يودس ابن كريايوطا والله أعلم

وقال الضحاك عن ابن عباس : استخلف عيسى شمعون وقتلت اليهود يودس الذي ألقي عليه الشبه

وقال أحمد بن مروان : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : سمعت الفراء ، يقول في قوله :" ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " قال : إن عيسى غاب عن خالته زماناً فأتاها ، فقام رأس الجالوت اليهودي فضرب على عيسى حتى اجتمعوا على باب داره فكسروا الباب ودخل رأس جالوت ليأخذ عيسى فطمس الله عينيه عن عيسى ، ثم خرج إلى أصحابه فقال : لم أره ومع سيف مسلوك فقالوا : أنت عيسى وألقى الله شبه عيسى عليه فأخذوه فقتلوه وصلبوه ، فقال جل ذكره :" وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم

وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن وهب بن منبه ، قال : أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فأحاطوا بهم ، فلما دخلوا عليهم صورهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم : سحرتمونا لتبرزن إلينا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً فقال عيسى لأصحابه : من يشتري منكم نفسه اليوم بالجنة ؟ فقال رجل : أنا فخرج إليهم فقال : أنا عيسى وقد صوره الله على صورة عيسى فأخذوه فقتلوه وصلبوه فمن ثم شبه لم وظنوا أهم قد قتلوا عيسى ، فظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ، ورفع الله عيسى من يومه ذلك

قال ابن جرير : وحدثنا المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهباً يقول : إن عيسى ابن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه ، فدعا الحواريين وصنع لهم طعاماً فقال : احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم ، فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه ، فتعاظموا ذلك وتكارهوه فقال : من رد علي شيئاً الليلى مما أصنع فليس مني ولا أنا منه فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال : أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة ، فإنكم ترون إني خيركم فلا يتعظم بعظكم على بعض ، وليبذل بعضكم لبعض نفسه ، كما بذلت نفسي لكم ، وأما حاجتي التي استعنتكم عليها فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي

فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء ، فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله أما تصبرون لي ليلة واحد تعينوني فيها ؟ فقالوا : والله ما ندري مالنا ، والله لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمراً ، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه فقال : يذهب بالراعي وتتفرق الغنم ! وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه

ثم قال : الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات ، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني

فخرجوا وتفرقوا : وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا : هذا من صحابه فجحد وقال : ما أنا بصاحبه فتركوه ، ثم أخذه آخرون فجحد كذلك ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه

فلما أصبح أتي أحد الحواريين إلى اليهود فقال : ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح ؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك فأخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل وجعلوا يقودونه ويقولون : أنت كنت تحيي الموتى وتنتهر الشيطان وتبرئ المجنون ، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل ؟! ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعاً

ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث كان المصلوب فجاءهما عيسى فقال : علام تبكيان ؟ قالتا : عليك قال : إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير ، وإن هذا شيء شبه لهم فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا ، فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود ، فسأله عنه أصحابه فقالوا إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل نسفه ، فقال : لو تاب لتاب الله عليه ، ثم سألهم عن غلام كان يتبعهم يقال له يحيى فقال : هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة قوم فليذرهم وليدعهم

وهذا إسناد غريب عجيب ، وهو أصح مما ذكره النصارى لعنهم الله من أن المسيح جاء إلى مريم وهي جالسة تبكي عند جذعة فذأراها مكان المسامير من جسده ، وأخبرها أن روحه رفعت وأن جسده صلب

وهذا بهت وكذب واختلاق وتحريف وتبديل وزيادة باطلة في الإنجيل على خلاف الحق ومقتضى الدليل

وحكى الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن حبيب ، فما بلغه ، أن مريم سألت من بيت الملك بعد ما صلب المصلوب بسبعة أيام ، وهي تحسب أنه ابنها ، أن ينزل جسده ، فأجابهم إلى ذلك ودفن هنالك ، فقالت مريم لأم يحيى : ألا تذهبين بنا نزور قبر المسيح فذهبتا فلما دنتا من القبر قالت مريم لأم يحيى : ألا تستترين ؟ قال : وممن أستتر ؟ فقالت : من هذا الرجل الذي هو عند القبر فقالت أم يحيى : إني لا أرى أحداً فرجت مريم أن يكون جبريل ، وكان قد بعد عهدها به ، فاستوقفت أم يحيى وذهبت نحو القبر فلما دنت من القبر قال لها جبريل ، وعرفته : يا مريم أين تريدين ؟ فقالت : أزور قبر المسيح فأسلم عليه وأحدث عهداً به فقال : يا مريم إن هذا ليس المسيح ، إن الله قد رفع المسيح وطهره من الذين كفروا ولكن هذا الفتى الذي ألقى شبهه عليه وصلب وقتل مكانه ، وعلامة ذلك أن أهله قد فقدوه فلا يدرون ما فعل به فهم يبكون عليه فإذا كان يوم كذا وكذا فأت غيضة كذا وكذا فإنك تلقين المسيح

قال : فرجعت إلى أختها وصعد جبريل فأخبرتها عن جبريل وما قال لها من أمر الغيضة ، فما كان ذلك اليوم ذهبت فوجدت عيسى في الغيضة فلما رآها أسرع إليها وأكب عليها فقبل رأسها وجعل يدعو لها كما كان يفعل ، وقال : يا أمه إن القوم لم يقتلوني ولكن الله رفعني إليه وأذن لي في لقائك والموت يأتيك قريباً فاصبري واذكري الله كثيراً ثم صعد عيسى فلم تلقه إلا تلك المرة حتى ماتت

قال : وبلغني أن مريم بقيت بعد عيسى خمس سنين وماتت ولها ثلاث وخمسون سنة رضي الله عنها وأرضاها

وقال الحسن البصري : وكان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعاً وثلاثين سنة وفي الحديث :" إن أهل الجنة يدخلونها جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين " وفي الحديث الآخر : " على ميلاد عيسى وحسن يوسف " وكذا قال حماد بن سلمة عن علي بن يزيد ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة

فأما الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه ويعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه ، عن سعيد بن أبي مريم ، عن نافع بن يزيد ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان ، أن أمه فاطمة بنت الحسين حدثته أن عائشة كانت تقول : أخبرتني فاطمة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخبرها أنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش الذي بعده نصف عمر الذي كان قبله ، وأنه أخبرني أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة فلا أراني إلا ذاهب على رأس ستين هذا لفظ الفسوي فهو حديث غريب

قال الحافظ ابن عساكر : والصحيح أن عيسى لم يبلغ هذا العمر ، وإنما أراد به مدة مقامه في أمته ، كما روى سفيان بن عيينه ، عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة ، قال : قالت فاطمة : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :" إن عيسى ابن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة " وهذا منقطع

قال جرير والثوري عن الأعمش ، عن إبراهيم : مكث عيسى في قومه أربعين عاماً

ويروى عن أمير المؤمنين على أن عيسى عليه السلام رفع ليلة الثاني والعشرين من رمضان ، وتلك الليلة في مثلها توفي علي بعد طعنه بخمسة أيام

وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن عيسى لما رفع إلى السماء جاءته سحابة فدنت منه حتى جلس عيها وجاءته مريم فودعته وبكت ثم رفع وهي تنظر وألقي إليها عيسى برداً له وقال : هذه علامة ما بيني وبينك يوم القيامة وألقى عمامته على شمعون ، وجعلت أمه تودعه بأصبعها تشير بها إليه حتى غاب عنها ، وكانت تحبه حباً شديداً ، لأنه توفر عليها حبه من جهتي الوالدين إذ لا أب له ، وكانت لا تفارقه سفراً ولا حضراً وكانت كما قال بعض الشعراء :

وكنت أرى كالموت من بين ساعة فكيف ببين كان موعده الحشر

وذكر إسحاق بن بشر ، عن مجاهد بن جبير أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل شبه لهم وهم يحسبونه المسيح وسلم لهم أكثر النصارى بجهلهم ذلك ، تسلطوا على أصحابه بالقتل والضرب والحبس فبلغ أمرهم إلى صاحب الروم وهو ملك دمشق في ذلك الزمان ، فقيل له : إن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول الله وكان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويفعل العجائب ، فعدوا عليه فقتلوه وأهانوا أصحابه وحبسوهم فبعث فجيء بهم وفيهم يحيى بن زكريا وشمعون وجماعة ، فسألهم عن أمر المسيح فأخبروه عنه ، فبايعهم في دينهم وأعلى كلمتهم وظهر الحق على اليهود وعلت كلمة النصارى عليهم ، وبعث إلى المصلوب فوضع عن جذعه وجيء بالجذع الذي صلب عليه ذلك الرجل فعظمه فمن ثم عظمت النصارى الصليب ، ومن هاهنا دخل دين النصرانية في الروم وفي هذا نظر من وجوه :

أحدها : أن يحيى بن زكريا نبي لا يقر على أن المصلوب عيسى ، فإنه معصوم يعلم ما وقع على جهة الحق

الثاني : أن الروم لم يدخلوا في دين المسيح إلا بعد ثلاثمائة سنة ، وذلك في زمان قسطنطين بن قسطن باني المدينة المنسوبة إليه على ما سنذكره

الثالث : أن اليهود لما صلبوا ذلك الرجل ثم ألقوه بخشبته جعلوا مكانه مطرحاً للقمامة والنجاسة وجيف الميتات والقاذورات ، فلم يزل كذلك حتى كان في زمان قسطنطين المذكور فعمدت أمه هيلانة الحرانية الفندقانية فاستخرجته من هنالك معتقدة أنه المسيح ، ووجدوا الخشبة التي صلب عليها المصلوب فذكروا أنه ما مسها ذو عاهة إلا عوفي فالله أعلم أكان هذا أملاً ، وهل كان هذا لأن ذلك الرجل الذي بذل نفسه كان رجلاً صالحاً أو كان هذا محنة وفتنة لأمة النصارى في ذلك اليوم ، حتى عظموا تلك الخشبة وغشوها بالذهب والآلىء ، ومن ثم اتخفوا الصلبانات وتبركوا بشكلها وقبلوها ، وأمرت أم الملك هيلانة فأزيلت تلك القمامة وبني مكانها كنيسة هائلة مزخرفة بأنواع الزينة ، فهي هذه المشهورة اليوم ببلد بيت المقدس التي يقال لها القمامة باعتبار ما كان عندها ، ويسمونها القيامة يعنون التي يقوم جسد المسيح منها ثم أمرت هيلانة بأن توضع قمامة البلد وكناسته وقاذوراته على الصخرة التي هي قبلة اليهود فلم تزل كذلك حتى فتح عمر بن الخطاب بيت المقدس ، فكنس عنها القمامة بردائه وطهرها من الأخباث والأنجاس ، ولم يضع المسجد وراءها ولكن أمامها حيث صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليلة الإسراء بالأنبياء وهو المسجد الأقصى

ذكر خبر المائدة

قال الله تعالى :" إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين "

قد ذكرنا في التفسير الآثار الواردة في نزول المائدة عن ابن عباس وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وغيرهما من السلف

ومضمون ذلك : أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوماً ، فلما أتموها سالوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم ، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها يوم فطرهم ، وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم ، فوعظهم عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم ألا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز وجل

فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا

فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إلها تنحدر بين غمامتين ، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً ، وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مفطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول : بسم الله خير الرازقين فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال : وخل ، ويقال : ورمان وثمار ، ولها رائحة عظيمة جداً ، قال الله كوني فكانت

ثم أمرهم بالأكل منها ، فقالوا : لا نأكل حتى تأكل فقال : إنكم الذين ابتدأتم السؤال لها ، فأبوا أن يأكلوا منها ابتداء ، فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أ آفة أو مرض مزمن ، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها ، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل إنها كان ياكل منها نحو سبعة آلاف

ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم ، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوماً بعد يوم ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو المحاويج دون الأغنياء فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك ، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير

وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً ، حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا سفيان ابن حبيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن خلاس ، عن عمار بن ياسر ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" نزلت المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير "

ثم رواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار موقوفاً وهذا أصح وكذا رواه من طريق سماك ، عن رجل من بني عجل ، عن عمار موقوفاً وهو الصواب والله أعلم

وخلاس عن عمار منقطع ، فلو صح هذا الحديث مرفوعاً لكان فيصلاً في هذه القصة ، فإن العلماء اختلفوا في المائدة : هل نزلت أولاً ؟ فالجمهور أنها نزلت كما دلت عليها هذه الآثار كما هو المفهوم من ظاهر سياق القرآن ولا سيما قوله :" إني منزلها عليكم " كما قرره ابن جرير والله أعلم

وقد روى ابن جرير بإسناد صحيح إلى مجاهد وإلى الحسن بن أبي الحسن البصري أنهما قالا : لم تنزل وإنهم أبوا نزولها حين قال :" فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " ولهذا قيل إن النصارى لا يعرفون خبر المائدة وليس مذكوراً في كتابهم ، مع أن خبرها مما تتوافر الدواعي على نقله والله أعلم

وقد تفصينا الكلام على ذلك في التفسير فليكتب من هناك ، ومن أراد مراجعته فلينظره من ثم ولله الحمد والمنة

فصل

قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا رجل سقط اسمه ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا أبو هلال محمد بن سليمان ، عن بكر بن عبد الله المزفي قال : فقد الحواريون نبيهم عيسى فقيل لهم توجه نحو البحر ، فانطلقوا يطلبونه فسا انتهوا إلى البحر إذا هو يمشي على المائدة يرفعه الموج مرة ويضعه أخرى وعليه كساء مرتد بنصفه ومؤتزر بنصفه ، حق انتهى إليهم فقال له بعضهم ، قال أبو هلال ظننت أنه من أفاضلم : ألا أجيء إليك يا نبي الله ؟ قال : بلى قال : فوضع إحدى رجليه على الماء ثم ذهب ليضع الأخرق فقال : أوه غرقت يا نبي الله فقال :أرني يدك يا قصير الإيمان ، لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة مشى على الماء !

ورواه أبو سعيد عن الأعرابي ، عن إبراهيم بن أبي الجحيم ، عن سليمان بن حرب ، عن أبي هلال بن بكر بنحوه

ثم قال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان ، حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، عن ألفضيل بن عياش ، قال : قيل لعيسى ابن مريم : يا عيسى بأي شيء تمشي على الماء ؟ قال : بالإيمان واليقين قالوا : فإنا آمنا كما آمنت وأيقنا كما أيقنت قال : فامشوا إذن قال : فمشوا معه في الموج فغرقوا فقال لهم عيسى : مالم ؟ فقالوا : خفنا الموج قال :ألا خفتم رب الموج ؟ ! قال : فأخرجهم ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها فإذا في إحدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر- أو حصى - فقال ؟ أيهما أحلى في قلوبم ؟ قالوا : هذا الذهب قال : فإنها عندي سواء !

وقدمنا في قصة يحيى بن زكريا عن بعض السلف أن عيسى عليه السلام كان يلبس الشعر ويأكل من ورق الشجر ولا يأوي إلى منزل ولا أهل ولا مال ولا يدخر شيئا لغد قال بعضهم : كان يأكل من غزل أمه صلوات الله وسلامه عليه

وروى ابن عساكر عن الشعبي أنه قال : كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول لا ينبغي لابن مريم أن يذكر عنده الساعة ويسكت

وعن عبد الملك بن سعيد بن أبجر أن عيسى كان إذا سمع الموعظة صرخ صراخ الثكلى

وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر : حدثنا جعفر بن بلقان ، أن عيسى كان يقول : اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو ، وأصبح الأمر بيدي غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي فلا فقير افقر مني ؟ اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تسلط علي من لا يرحمني

قال الفضيل بن عياض عن يونس بن عبيد ، كان عيسى يقول : لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا !

قال الفضيل : وكان عيسى يقول : فكرت في الخلق فوجدت من لم يخلف أغبط عندي ممن خلق !

وقال إسحاق بن بشر ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، قال : إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة قال : وإن الفزارين بذنوبهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى

قال : وبينما عيسى يوماً نائم على حجر قد توسده وقد وجد لذة النوم إذ مر به إبليس فقال : يا عيسى ألست تزعم أنك لا تريد شيئاً من عرض الدنيا ؟ فهذا الحجر من عرض الدنيا قال : فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به إليه ، وقال هذا لك من الدنيا !

وقال معتمر بن سليمان : خرج عيسى على أصحابه وعليه جبة صوف وكسان وتبان حافياً باكياً شعثاً مصفر اللون من الجوع يابس الشفتين من العطش فقال : السلام عليكم يا بني إسرائيل ، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها بإذن الله ولا عجب ولا فخر ، أتدرون أين بيتي ؟ قالوا : أين بيتك يا روح الله ؟ قال : بيتي المساجد ، وطي الماء ، وأدامي الجوع ، وسراجي القمر بالليل ، وصلاتي في الشتاء مشارق الشمس ، وريحاني بقول الأرض ، ولباسي الصوف ، وشعاري خوف رب العزة ، وجلسائي الزمنى والمساكين ، أصبح وليس لي شيء وأمسي وليس لي شيء ، وأنا طيب النفس غير مكترث فمن أعنى مني وأربح ! رواه ابن عساكر

وروى في ترجمة محمد بن الوليد بن أبان بن أبي الحسن العقيلي المصري ، حدثنا هانئ ابن المتوكل الإسكندراني ، عن حيوة بن شريح ، حدثني الوليد بن أبي الوليد ، عن شفي بن ماتع ، عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : أوحى الله تعالى إلى عيسى : أن يا عيسى انتقل من مكان إلى مكان لئلا تعرف فتؤذى ، فوعزتي وجلالي لأزوجنك ألف حوراء ولألمن عليك أربعمائة عام

وهذا حديث غريب رفعه ، وقد يكون موقوفاً من رواية شفي ابن ماتع ، عن كعب الأحبار وأو غيره من الإسرائيلين والله أعلم

وقال عبد الله بن المبارك : عن سفيان بن عيينة ، عن خلف بن حوشب ، قال : قال عيسى للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك فاتركوا لهم الدنيا

وقال قتادة : قال عيسى عليه السلام : سلوني فإني لين القلب وإني صغير عند نفسي

وقال إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال عيسى للحواريين : كلوا خبز الشعير واشربوا الماء القراح واخرجوا من الدنيا سالمين آمنين ، بحق ما أقول لكم إن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة ، وإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة ، وإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ، بحق ما أقول لكم إن شركم علام يؤثر هواه على عالمه يود أن الناس كلهم مثله وروى نحوه عن أبي هريرة

قال أبو مصعب عن مالك إنه بلغه أن عيسى كان يقول : يا نبي إسرائيل عليكم بالماء القراح والبقل البرير وخبز الشعير ، وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره

وقال ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : كان عيسى يقول : اعبروا الدنيا ولا تعمروها وكان يقول : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنظر يزرع في القلب الشهوة

وحكى وهيب بن الورد مثله وزاد : ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً

وعن عيسى عليه السلام : يا ابن آدم الضعيف اتق الله حيث ما كنت ، وكن في الدنيا ضيفاً ، واتخذ المساجد بيتاً ، وعلم عيناك البكاء وجسدك الصبر وقلبك التفكر ، ولا تهتم برزق غد فإنها خطيئة

وعنه عليه السلام أنه قال : كما أنه لا يستطيع أحدكم أن يتخذ على موج البحر داراً فلا يتخذ الدنيا قراراً

وفي هذا يقول سابق البربري :

لكم بيوت بمستن السيوف وهل يبنى على الماء بيت أسه مدر

وقال سفيان الثوري : قال عيسى ابن مريم : لا يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء

وقال إبراهيم الحربي عن داود بن رشيد ، عن أبي عبد الله الصوفي قال : قال عيسى : طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر ، كلما ازداد عطشاً حتى يقتله

وعن عيسى عليه السلام : إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع الماء وتزينه مع الهوى ، واستمكانه عند الشهوات

وبه قالت امرأة لعيسى عليه السلام : طوبى لحجر حملك ولثدي أرضعك فقال : طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبعه

وعنه : طوبى لمن بكى من ذكر خطيئته وحفظ لسانه ووسعه بيته

وعنه : طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية وانتبهت إلى غير إثم

وعن مالك بن دينار قال : مر عيسى وأصحابه بجيفة فقالوا : ما أنتن ريحها ، فقال : ما أبيض أسنانها لينهاهم عن الغيبة

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : يحدثنا الحسين بن عبد الرحمن ،عن زكريا بن عدي قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين ارضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة الدنيا قال زكريا : وفي ذلك يقول الشاعر :

أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ولا أراهم رضوا في العيش بالدون

فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

وقال أبو مصعب عن مالك قال عيسى ابن مريم عليه السلام : لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان معافى ومبتلى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية

وقال الثوري : سمعت أبي يقول عن إبراهيم التيمي ، قال : قال عيسى لأصحابه : بحق أقول لكم من طلب الفردوس فخبز الشعير والنوم في المزابل مع الكلاب كثير

وقال مالك بن دينار : قال عيسى : إن أكل الشعير مع الرماد والنوم على المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس

وقال عبد الله بن المبارك : أنبأنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : قال عيسى : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم ، انظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها ، فإن قلتم نحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إلى هذه الأباقير من الوحوش والحمر فإنها تغدو لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها

وقال صفوان بن عمرو : عن شريح بن عبد الله ، عن يزيد بن ميسرة ، قال : قال الحواريون للمسيح : يا مسيح الله انظر إلى مسجد الله ما أحسنه قال : آمين آمين بحق ما أقول لكم يترك الله من هذا المسجد حجراً قائماً إلا أهلكه بذنوب أهله ، إن الله لا يصنع بالذهب ولا الفضة ولا بهذه الأحجار التي تعجبكم شيئاً إن أحب إلى الله منها القلوب الصالحة وبها يعمر الله الأرض ، وبها يخرب الله الأرض إذا كانت على غير ذلك

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه : أخبرنا أبو منصور بن محمد الصوفي : أخبرتنا عائشة بنت الحسن بن إبراهيم الوركانية ، قالت : حدثنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن عبد الله ابن الهشيم إملاء ، حدثنا الوليد بن أبان إملاء ، حدثنا أحمد بن جعفر الرازي ، حدثنا سهيل بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز ، عن المعتمر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" مر عيسى عليه السلام على مدينة خربة ، فأعجبه البنيان فقال : أي رب مر هذه المدينة أن تجيبني ، فأوحى الله إلى المدينة : أيتها المدينة الخربة جاوبي عيسى قال : فنادت المدينة : عيسى حبيبي وما تريد مني ؟ قال : ما فعلت أشجارك وما فعل أنهارك وما فعل قصورك وأين سكانك ؟ قالت : حبيبي جاء وعد ربك الحق فيبست أشجاري ونشفت أنهاري وخربت قصوري ومات سكاني قال : فأين أموالهم ؟ فقالت : جمعوها من الحلال والحرام موضوعة في بطني ، لله ميراث السموات والأرض ، قال : فنادى عيسى عليه السلام : تعجبت من ثلاثة أناس : طالب الدنيا والموت يطلبه ، وباني القصور والقبور منزله ، ومن يضحك ملء فيه والنار أمامه ! ابن آدم لا بالكثير تشبع ولا بالقليل تقنع ، تجمع مالك لمن لا يحمدك وتقدم على رب لا يعذرك ، إنما أنت عبد بطنك وشهوتك ، وإنما تملأ بطنك إذا دخلت قبرك ، وأنت يا ابن آدم ترى حشد مالك في ميزان غيرك " هذا حديث غريب جداً وفيه موعظة حسنة فكتبناه لذلك

وقال سفيان الثوري عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي ، قال عيسى عليه السلام : يا معشر الحواريين اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قاب الرجل حيث كنزه

وقال ثور بن زيد ، عن عبد العزيز ، ظبيان قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : من تعلم وعلم وعمل دعي عظيماً في ملكوت السماء

وقال أبو كريب : روي أن عيسى عليه السلام قال : لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ويعبر بك النادي

وروى ابن عساكر بإسناد غرب عن ابن عباس مرفوعاً : أن عيسى قام في بني إسرائيل فقال : يا معشر الحواريين لا تحدثوا بالحكم غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، والأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه وأمر تبين غيه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم فيه فردوا علمه إلى الله عز وجل

وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن رجل ، ، عن عكرمة قال : قال عيسى : لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئاً ، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ومن لا يريدها شر من الخنزير

وكذا حكي وهب وغيره عنه أنه قال لأصحابه : أنتم ملح الأرض فإذا فسدتم فلا دواء لكم وإن فيكم خصلتين من الجهل ، الضحك من غير عجب والصبحة من غير سهر

وعنه أنه قيل له : من أشد الناس فتنة ؟ قال : زلة العالم ، فإن العالم إذا زل يزل بزلته عالم كثير

وعنه أنه قال : يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رءوسكم والآخرة تحت أقدامكم ، قولكم شفاء وعلمكم داء مثلكم مثل شجرة الدقلي تعجب من رآها وتقتل من أكلها

وقال وهب : قال عيسى : يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة فلا تدخلونها ولا تدعون المساكين يدخلونها ، إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه

وقال مكحول : التقى يحيى وعيسى ، فصافحه عيسى وهو يضحك فقال له يحيى : يا ابن الخالة مالي أراك ضاحكاً كأنك قد أمنت ؟ فقال له عيسى : مالي أباك عابساً كأنك قد يئست ! فأوحى الله إليهما : إن أحبكما إلي أبشكما بصاحبه

وقال وهب بن منبه : وقف عيسى هو وأصحابه على قبر وصاحبه يدلي فيه ، فجعلوا يذكرون القبر وضيقه فقال : قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم ، فإذا أحب الله أو يوسع وسع

وقال أبو عمر الضرير : بلغني أن عيسى كان إذا ذكر الموت يقطر جلده دماً

والآثار في مثل هذه كثيرة جداً وقد أورد الحافظ ابن عساكر منها طرفاً صالحاً اقتصرنا على هذا القدر والله الموفق للصواب