وقال تعالى : " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين * ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين "
لما هجر قومه في الله ، وهاجر من بين أظهرهم ، وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها ، ولم يكن له من الولد أحد ، بل معه ابن أخيه لوط ابن هران بن آزر ، وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين ، وجعل في ذريته النبوة والكتاب ، فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته ، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده ، فعلى أحد نسله وعقبه ، خلعة من الله وكرامة له ، حيث ترك بلاده وأهله وأقرباءه ، وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل ودعوة الخلق إليه
والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام ، وهي التي قال الله عز وجل : " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين "
قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم
وروى العوفي عن ابن عباس قوله : " إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " مكة ، ألم تسمع إلى قوله : " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين " وزعم كعب الأحبار أنها حران
وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب : أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط ، وأخوه ناجور ، وامرأة إبراهيم سارة ، وامرأة أخيه ملكاً فنزلوا حران ، فمات تارخ أبو إبراهيم بها
وقال السدي : انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام ، فلقى إبراهيم سارة - وهي ابنة ملك حران - وقد طعنت على قومها في دينهم ، فتزوجها على ألا يغيرها - رواه ابن جرير وهو غريب
والمشهور أنها ابنة عمه هران الذي تنسب إليه حران
ومن زعم أنها ابنة أخيه هارات أخت لوط ، كما حكاه السهيلي عن القتيبي والنقاش ، فقد أبعد النجعة وقال بلا علم
ومن ادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذا ذاك مشروعاً فليس له على ذلك دليل ، ولو فرض أن هذا كان مشروعاً في وقت - كما هو منقول عن الربانيين من اليهود - فإن الأنبياء لا تتعاطها والله أعلم
ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجراً من بلاده كما تقدم والله أعلم
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إلي : إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحاً لله شكراً على هذه النعمة ، وضرب قبته شرقى بيت المقدس ثم انطلق مرتجلاً ، إلى التيمن ، وإنه كان جوع ، أي قحط وشدة وغلاء ، فارتحلوا إلى مصر
وذكروا قصة سارة مع ملكها ، وإن إبراهيم قال لها : قولي أنا أخته وذكروا إخدام الملك إياها هاجر ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن ، يعني أرض بيت المقدس وما والاها ، ومعه دواب وعبيد وأموال
وقال البخاري : حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب عن محمد ، عن أبي هريرة قال : لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : اثنتان منهم في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر - أو الفاجر - في نحره ، وأخدم هاجر
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء تفرد به من هذا الوجه موقوفاً
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات ، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه وسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبني
فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت الله فأطلق ، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان وإنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر
فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم ؟ فقالت : رد الله كيد الكافر -أو الفاجر -في نحره ، وأخدم هاجر"
قال أبو هريرة : فتلك أمكم يا بني ماء السماء تفرد به من هذا الوجه موقوفاً
وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عبد الوهاب الثقفي ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات ، كل ذلك في ذات الله ، قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلاً ، فأتى جبار فقيل له : إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه فسأله عنها فقال : إنها أختي فلما رجع إليها قال : إن هذا سألني عنك فقلت : إنك أختي وإنها ليس اليوم مسلم غيري وغيرك ، وإنك أختي ، فلا تكذبيني عنده
فانطلق بها ، فلما ذهب يتناولها أخذ ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت له فأرسل ، فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها ، فقال : ادعى الله لي ولا أضرك ، فدعت فأرسل ، ثلاث مرات ، فدعا أدنى حشمة فقال : إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر
فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف ، فقال : مهيم ؟ فقالت : كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر
وأخرجاه من حديث هشام ثم قال البزار : لا يعلم إسناده عن محمد عن أبي هريرة إلا هشام ، ورواه غيره موقوفاً
وقال الإمام أحمد : حدثنا عل بن حفص ، عن ورقاء - وهو أبو عمر اليشكري - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : قوله حين دعى إلى آلهتهم فقال : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم هذا " وقوله لسارة : " إنها أختي "
قال : ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة ، فقيل : دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس ، قال : فأرسل إليه الملك أو الجبار : من هذه معك ؟ قال : أختي ، قال : فأرسل بها ، قال : فأرسل بها إليه ، وقال : لا تكذبي قولي ، فإني قد أخبرته أنك أختي إنه ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك
فلما دخلت عليه قام إليه ، فأقبلت تتوضأ وتصلي وتقول : اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي ، فلا تسلط علي الكافر قال : فغط حتى ركض برجله
قال أبو الزناد : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنها قالت : اللهم إن يمت يقال هي قتلته : قال : فأرسل
قال : ثم قال إليها ، قال : فقامت تتوضأ وتصلي وتقول : اللهم إني كنت تعلم آني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال : فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة أنها قالت : اللهم إني يمت يقل هي قتلته ، قال : فأرسل
قال : فقال في الثالثة أو الرابعة : ما أرسلتم إلى إلا شيطاناً ، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر
قال : فرجعت ، فقال لإبراهيم : أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة ! تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيح
وقد رواه البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن أبي الزناد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصراً
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال : " ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله ، فقال : " إني سقيم " وقال : " بل فعله كبيرهم هذا " وقال للملك حين أراد امرأته : هي أختي "
فقوله في الحديث : هي أختي أي في دين الله ، وقوله لها " إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك " يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك ، ويتعين حمله على هذا لأن لوطاً كان معهم وهو نبي عليه السلام
وقوله لها لما رجعت إليه : ميهم ؟ معناه ما الخبر فقالت : إن الله رد كيد الكافرين ، وفي رواية : الفاجر وهو الملك ، وأخدم جارية
وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك ، قام يصلي لله عز وجل ، ويسأله أن يدفع عن أهله ، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء وهكذا فعلت هي أيضاً فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها ، ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم ولهذا قال تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة " فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة : سارة ، وأم موسى ، ومريم عليهن السلام
والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن
ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها ، فلم يرها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه ، وكان مشاهداً لها وهي عند الملك ، وكيف عصمها الله منه ، ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته ، فإنه كان يحبها حباً شديداً ، لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر ، فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها ، أحسن منها ، رضي الله عنها ولله الحمد والمنة
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخاً للضحاك الملك المشهور بالظلم ، وكان عاملاً لأخيه على مصر ، ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عويج بن عملاق بن لاود ابن سام بن نوح وذكر ابن هشام في التيجان : إن الذي أرادها عمرو بن امرىء القيس بن مايلون بن سبأ ، وكان على مصر نقله السهيلي والله أعلم
* * *
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن ، وهي الأرض المقدسة التي كان فيها ، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل وصحبتهم هاجر القبطية المصرية
ثم إن لوطاً عليه السلام نزح بما له من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك ، إلى أرض الغور ، المعروف بغور زغر ، فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان ، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً
وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل ، فأمر أن يمد بصره وينظر شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر ، وسأكثر ذريتك حتى يصيروا بعدد تراب الأرض
وهذا البشارة اتصلت بهذه الأمة ، بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمدية
ويؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها "
قالوا : ثم إن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه ، وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشرة رجلاً ، فاستنقذ لوطاً عليه السلام واسترجع أمواله ، وقتل من أعداء الله ورسوله خلقاً كثيراً وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شمالي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة ، وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل والله أعلم
ثم رجع مؤيداً منصوراً إلى بلاده وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرهين خاضعين ، واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق