وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذي بعث إليهم نوح عليه السلام ، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا ، وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر ، فهلك ذلك أهل ذلك الزمان ، وفزع النمرود فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك ، فقالوا : يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه ، فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء ، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين ، فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين ، فحماه الله عز وجل وصانه من كيد الفجار ، وشب شباباً باهراً ، وأنبته الله نباتاً حسناً ، حتى كان من أمره ما تقدم .
وكام مولده بالسوس وقيل ببابل وقيل بالسواد من ناحية كوثي وتقدم عن ابن عباس أنه ولد ببرزة شرقي دمشق فلما أهلك الله نمرود على يديه هاجر إلى حران ، ثم إلى أرض الشام ، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا ، وولد له إسماعيل وإسحاق وماتت سارة قبله بقرية حبرون التي في أرض كنعان ، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة فيما ذكر أهل الكتاب فحزن عليها إبراهيم عليه السلام ، ورثاها رحمها الله ، واشترى من رجل من بني حيث يقال له عفرون بن صخر مغارة بأربعمائة مثقال ، ودفن فيها سارة هنالك
قالوا : ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق فزوجه رفقا بنت بتوئيل بن ناحور بن تارح ، وبعث مولاه فحملها من بلادها ومعها مرضعتها وجواريها على الإبل .
قالوا : ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطوراً فولدت له زمران ، وبقشان ، ومادان ، ومدين ، وشياق ، وشوح وذكروا ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطوراً .
وقد روى ابن عساكر من غير واحد من السلف ، عن أخبار أهل الكتاب في صفة مجيء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخباراً كثيراً الله أعلم بصحتها وقد قيل إنه مات فجأة ، وكذا داود وسليمان والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك .
قالوا : ثم مرض إبراهيم عليه السلام ، ومات عن مائة وخمس وسبعين ، وقيل وتسعين سنة ، ودفن في المغارة المذكورة التي كان بحبرون الحيثي عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي ، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد ورد ما يدل على أنه عاش مائتي سنة كما قاله ابن الكلبي .
فقال أبو حاتم بن حبان في صحيحه : أنبأنا المفضل بن محمد الجندي بمكة ، حدثنا علي بن زياد اللخمي : حدثنا أبو قرة ، عن ابن جريج ، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرون ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة "
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم وجعفر بن عون العمري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد عن أبي هريرة موقوفاً
ثم قال ابن حبان : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم : أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اختتن إبراهيم حين بلغ عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ، واختتن بقدوم "
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق أنه قال : القدوم اسم القرية
قلت : الذي في الصحيح أنه اختتن وقد أتت عليه ثمانون سنة ، وفي رواية : وهو ابن ثمانين سنة ، وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك والله أعلم
وقال محمد بن إسماعيل الحساني الواسطي : زاد في تفسير وكيع عنه فيما ذكره من الزيادات ، حدثنا أبو معاوية ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : كان إبراهيم أول من تسرول ، وأول من فرق ، وأول من استحد ، وأول من اختتن بالقدوم ، وهو ابن عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ، وأول من قرى الضيف وأول من شاب
فكذا رواه موقوفاً وهو أشبه بالمرفوع ، خلافاً لابن حبان والله أعلم .
وقال مالك عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال : كان إبراهيم أول من أضاف الضيف ، وأول الناس اختتن ، وأول الناس قص شاربه ، وأول الناس رأى الشيب فقال : يارب ما هذا ؟ فقال الله : وقار فقال : يا رب زدني وقاراً
وزاد غيرهما : وأول من قص شاربه ، وأول من استحد ، وأول من لبس السراويل .
فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة التي بناها سليمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون ، وهو البلد المعروف بالخليل اليوم وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلاً بعد جيل من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا هذا ، أن قبره بالمربعة تحقيقاً فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن المعصوم فينبغي أن تراعى تلك المحلة وأن تحترم إحترام مثلها ، وأن تبجل وأن تجل وأن يداس في أرجائها ، خشية أن يكون قبر الخليل أو أحد أولاده الأنبياء عليهم السلام تحتها .
وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه قال : وجد عند قبر إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقه :
ألهى جهولاً أمله يموت من جاء أجله
ومن دنا من حتفه لم تغن عنــه حيلــه
وكيف يبقى آخراً من مـات عنـه أولـه
والمرء لا يصحبـه في القبر إلا عملـــه
* * *
ذكر أولاد إبراهيم الخليل
أول من ولد له : إسماعيل من هاجر القبطية المصرية ، ثم ولد له إسحاق من سارة بنت عم الخليل ، ثم تزوج بعدها قنطوراً بنت يقطن الكنعاية فولدت له ستة : مدين ، وزمران ، وسرج ، ويقشان ، ونشق ، ولم يسم السادس ، ثم تزوج بعدها حجون بنت أمين ، فولدت له خمسة : كيسان وسورج ، وأميم ، ولوطان ، ونافس .
هكذا ذكره أبو القاسم السهيلي في كتابه التعريف والأعلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق