فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام ، فحين دخل بها حملت منه قالوا : فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها ، فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم ، فقال لها : افعلي بها ما شئت ، فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك فقال لها ملك من الملائكة : لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيراً وأمرها بالرجوع وبشرها أنها ستلد ابناً وتسميه إسماعيل ، ويكون وحش الناس ، يده على الكل ، ويد الكل به ، ويملك جميع بلاد إخوته فشكرت الله عز وجل على ذلك .
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه  ، فإن الذي به سادت العرب ، وملكت جميع البلاد غرباً وشرقاً ، وآتاها الله من العلم  النافع ، والعمل الصالح ما لم يؤت أمة من الأمم قبلهم ، وما ذاك إلا بشرف رسولها  على سائر الرسل  وبركة رسالته ويمن سفارته  وكماله فيما جاء به ، وعموم بعثته لجميع أهل الأرض 
ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام 
قالوا : وولدته وإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة ، قبل مولد  إسحاق بثلاث عشرة سنة .
ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة ،  فخر لله ساجداً ، وقال له : قد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته  جداً كثيراً ، ويولد له اثنا عشر عظيماً ، وأجعله رئيساً لشعب عظيم .
وهذه أيضاً بشارة بهذه الأمة العظيمة ، وهؤلاء الإثنا عشر عظيماً هم الخلفاء الراشدون الإثنا عشر ، المبشر بهم في حديث عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون اثنا عشرة أميراً " ثم قال كلمة لم أفهمها ، فسألت أبي : ما قال ؟ قال : " كلهم من قريش " أخرجاه في الصحيحين .
وفي رواية : " لا يزال هذا الأمر قائماً - وفي رواية : عزيزاً -  حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " 
فهؤلاء منهم الأئمة الأربعة : أبو بكر وعثمان وعلي : ومنهم عمر  بن عبد العزيز أيضاً  ومنهم بعض بني العباس   وليس المراد أنهم يكونوا اثنى عشر نسقاً  بل لا بد من وجودهم .
وليس المراد الأئمة الإثنى عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة  الذي أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر  بسرداب سامرا - وهو محمد الحسن العسكري فيما يزعمون - فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع  من علي وابنه الحسن بن علي ، حين ترك القتال وسلم الأمر لمعاوية ، وأخمد نار الفتنة  وسكن رحى الحرب بين المسلمين ، والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الأمة  في أمر من الأمور  وأما ما يعتقدونه بسرداب  سامرا  فذاك هوس في الرؤس ، وهذيان في  النفوس ، لا حقيقة له ولا عين ولا أثر 
*  * *
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل ، اشتدت  غيرة سارة منها ، وطلبت من الخليل أن يغيب عن وجهها عنها ، فذهب بها وبولدها ، فساد  بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم  ويقال إن  ولدها كان إذ ذاك رضيعاً .
فلما تركهما هناك وولى ظهره قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه ، وقالت أين تذهب وتدعنا هاهنا وليس معنا ما يكفينا ؟ فلم يجبها : قالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال: نعم قالت : فإذن لا يضيعنا .
وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب  النوادر   : أن سارة غضبت على هاجر فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها فأمرها الخليل أن  تثقب أذنيها ، وأن تخفضها فتبر قسمها .
قال السهيلي : فكانت أول من اختتن من النساء ، وأول من ثقبت أذنها منهن ، وأولت من طولت ذيلها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق